المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسك التحليه : { ثُمَّ جِئْتَ على قَدرٍ يا مُوسَى } ..


jr7
09-12-2020, 06:47 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

{ ثُمَّ جِئْتَ على قَدرٍ يا مُوسَى } ..

القَدر .. التَّوقيت .. الحِّكمة .. هي أبجَديّات العِراك العَقلي طُوال تاريخ البشريّة !

لِماذا .. ومَتى .. وكَيف .. أسئِلة تَعثَّر بها الإنسانُ في محاولاتِه للفَهم .. في مُحاولاته لإدراكِ سرّ ما يَجري !

مَن يكتُب تواريخَنا .. من يخُطّ ذَهابنا وإيابنا .. و ما مَوقع الّلوح المَحفوظ في أفعالِنا ..!

هُنا .. يهَبك القرآن آية تفيضُ بالإجابات { ثمّ جئت على قَدر } .. كأنَّ القَدر هو سفينةَ موسى التي يتَهادى عليها ..!

كأنّ القدَر ؛ طريق خَبيء .. راسياً في عُمقه تحتَ قَدميك .. صامتاً لا تُبصره ولكنّه يُبصِرك ..!

و كل ّقدوم منك هوَ صعود إليه !

يعومُ موُسى في اضطراب المياه .. و منذ لحظة الميلاد ؛ تأتيهِ موجة مُسَخّرة .. ثُمَّ محبّة خفيّة .. ثمَّ انكسارة جبريّة لفِرعون .. ثمّ مَدين ؛ في انسيابيّة قدريّة ، تُمَهد لموسى مَشهد العبور و مشهد الخُروج ، و مشاهِد التَّكليم الجَليلة !

ما القَدر وما التَّوقيت ؟!
انْظُر إلينا ؛ ونحنُ نبحثُ في الأفقِ عن صدى دعائِنا .. عن السّفينة التي نبنيها كل سّحر ..
فلا نلمحُ كلّ غروب ؛ الا اليابسة تمتدّ .. وتَنفي لنا البَحر !

تّتسع الصَّحراء .. فيتّسع اليأسُ معها ، و يظنُّ العبد { بالله الظُّنونا } !

تظلّ المَطارق وحيدةً كلّ مَساء .. تودّ لو أن الّليل يُصبح قَطرة من ماءٍ ؛ كيْ تبدو السّفينة مَعقولة !

لو انّ مَوجة تأتِي ؛ فتَرفع انحناءتَك المَريرة .. ولا تُبق السّفينة في الجَفاف !

لا نسمعُ صوت التّنور ، و لا صوت أبواب السّماء مفتوحة { بماءٍ مُنهَمر } ..
لا نَلمح الا حِيرتنا !
نرتَجف .. ربّما خشية سُقوط أردِيتنا !
أو اهتزاز بقيّة إيماننا ..
نتأَرجح .. بين اليَقين وبين الإنتظار !
نكادُ نشتعل بنارِ الشّك المدفونة في عُمقنا !
ونودّ لو نبني برجاً ؛ فنطّلع فيه على الغَيب !

ما أبسَط الإنسان !
ينامُ على ضِفاف النَّحيب .. ولو أصْغَى ؛ لَسَمِع هدير الطُّوفان !

وَ قدْ قيلَ ( والغَيث يَحْصرُه الرّدى فَما يرى ) وإنّه لَفي السُّحُبِ .. ولكنّ ثِقَلها بِحملِها ؛ جعلَ سَيرَها بطيئًا !

فلا تتَعجَّل ..!
و انتَبه .. للحِكمَة إذا صَمتَ الطّوفانُ .. واستقَرَّت سَفينتُك على الجُودي !

انتبه .. أنّ الحكمةَ الإلهيةَ تَتجلى في الأقْدَار .. وللأقدارِ مِيعادٌ !
إذ حاشَا لله ؛ أنْ يَفتحَ عليكَ السّماءَ .. وأنتَ لا تَملكُ إلا خَشبةً تَطفو عليها .. فتُكابدُ المَوتَ ولا تَموت !

{ ثمَّ جِئتَ على قَدَر } .. هيَ الرّسالةُ لنا جميعًا ؛ " أنّ في تَصاريفِ الأَقدارِ استرَاحةَ صَهيلِ الأفكارِ " !

دوْمًا .. قبلَ الانتِهاءِ ، وبعدَ الابتِداءِ ، و ما بينَهُما ؛ تَتراءى الأحْداثُ لكَ .. مثلَ ضَجيجٍ غامِضٍ .. تَودُّ لو أنَّك تَفهمُ التَّوقيت !

تَرتابُ في دقّاتِ سَاعةِ الكَونِ .. وتَظنُّ أنكَ صِرتَ نَسيًا مَنْسِيًّا !
لكنّ اللهَ لا يَعجلُ لِعَجَلتِنا ؛ لأن الفعلَ الكونِيَ أوسعُ من دَبيبِ خَطَوتِنا المزروعَةِ في القَلَق !

دَومًا .. تَبدو لنا المَواقدُ بلا لَهيب .. ونَبتةُ الصَّبارِ في الصّحراء ؛ تَبدو أشواكُها ساكِنةً ..
لكنّ ظَمَأَ الرّمالِ يَختبيءُ فيها .. ويكادُ يُعلنُ ؛ أنّ مواعيدَ الجَفافِ قد انْتَهت !

ثِقْ بِرَبِّك .. أن ثَمَّةَ الكَثيرَ منَ الينَابيع في الصَّمت الواسِعِ تَنتظرُ قَدرَ انفجارِها .. ولَحظةَ { فالتَقى الماءَ على أمْرٍ قَد قُدّر } !

فلا تَتعَجّل .. ورَتِّل على نَفسِك تَرتيلًا { ثمَّ جِئتَ على قَدَرٍ يا مُوسَى } !

لكنّ ذلكَ كُلَّه ؛ لا يَكونُ إلا لأصْحابِ المَعيَّةِ الخاصّة ..
والمَعيَّةُ الخاصَّة مِنَ الله ؛ هي مُصاحبة مُوالاةٍ ونُصرَة !
والمَعيَّةُ العامَّة ؛ هي مُصاحبة اطّلاعٍ وإحاطَة !

وانظُر .. كمْ هوَ الفَارِق بينَ الصُّحبَتين !

الثانيةُ .. بَلغَت بِموسَى - عليه السلام - مقامَ { كَلا إنَّ مَعَي ربِّي .. سَيَهدِين } ؛ فَفلَقَت له البَحرَ طريقًا يَبسًا ..
إذ كانَ { مُخلِصًا } !

هي إذن .. مَنظومةٌ عَاليةٌ من الأحْداثِ ؛ تُشكِّلُ موسى - عليه السلام - كَي يَبلغَ مُقامَ { ولتَصنَع عَلى عَيني } !

تَشتدُّ الأحداثُ ؛ كي تُسلّمَه إلى المقام المَخصوص { واصطَنعتُكَ لِنفسي } !
وذلكَ كُلّه ؛ كي تُصبحَ كلُّ خَطَواتِه مَوسومةً مُعنونَةً بقوله { و جِئتَ عَلى قَدَرٍ يا موسَى } !

ما أيسرَ الثّمن إذن { فَلبثَت سِنينَ في أهْلِ مَديَن } .. حينَ يكونُ المآلُ ؛ { وكَلَّمَ اللهُ موسَى تَكليمًا } !

و لقد قيلَ : دلائلُ الإعدادِ يُشَمُّ مِنها روائِحُ الاصطِفاء !

فانأَى بنفسكَ عن الاختيارِ والتَدبيرِ ؛ وقُل دَبِّر لِي فإنّي لا أُحسنُ التَدْبير ) !

وقد قالَها ابنُ القيّم أشرَفُ الأحْوال ؛ِ أنْ لا تَختارَ لنفسكَ حالةً سِوى ما يختارَهُ لكَ اللهُ ، ويُقيمك فيه .. فَكُن معَ مُرادِه منك ؛ ولا تكنْ معَ مُرادِك منه ) !

ثم نَبَّه ابنُ القيّم قائلًا و مَن تَأمّلَ أقدارَ الرَّبِ تعالى وجريانَها في الخَلق ؛ عَلِمَ أنها واقعةٌ في أليقِ الأوقاتِ بها )..

وظلّ تسبيحُه من بعد في فلك ( أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) ..
وذاقَ معنى ( وَهوَ اللّطيفُ بِعبْدِه ولِعَبده ) !

يا أيها العَبدُ .. ( إنّ سَوابقَ الهِمَمِ ؛ لا تَخرقُ أسوارَ الأقدَار) ..!
إذ أسوارُ الأقدارِ ؛ منوطٌ بها حِمايةُ دعواتِك و أُمنياتِك !

تأَمَّل سُؤلكَ .. فقد كان ذاتَ يومٍ ؛ بذرةً لم تنضجْ في حُضنِ الشّمسِ .. سَيَّجَها اللهُ لك بالمَنعِ من البُروز !
و أحاطَها بسورٍ { باطِنهُ فيه الرّحمة } ؛ فكان مَنعُه لك عطاءً .. ولولا أسْوار الأقدارِ ؛ لكانَ حتفُك في ما تَمنيتَ و سَعَيت !

فردِّد ( ولا مُعطِيَ لما مَنَعْت ) .. إذ كلّ شيءٍ { عنده بِمقدار } !

و تَأهْب لِفَهم معنى { على قَدَر } .. و تَأدَّب إذ ( بِاحْتِمالِ الْمُؤَنِ ، يَجِبُ السُّؤْدَدُ ) ..!
واصْبِر على أسرارِ حِكمَة اللهِ في القَدَر !

وسَبِّح في عُبوديةٍ واستسلامٍ ؛ معَ حَركةِ المَوجِ التي تَغمرُ الوجودَ !
معَ طاقةِ الخيْر .. معَ تَسبيحِ الكونِ .. مع كلّ ذرةٍ تُنشدُ تَراتيلَ الصّلاةِ .. دونَ أنْ تُوقِفَ حُلمَك بمائدةٍ على النّجوم !

{ ثمّ جِئتَ على قَدَرٍ يا مُوسَى } .. هُنا .. يَبسطُ القَدرُ كفَّه ، ويحتضنُ لك النّهارَ ؛ لأنكَ في عُمقِك كنتَ شُعاعَ نورٍ .. تَليقُ بكَ مَعيَّةُ اللهِ !

ترف
09-17-2020, 04:02 PM
الله يعطيك العافييييييية