إنهم فتية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل تُدرك ماذا يَعني { إنَّهم فِتية } ..بإنّ التّوكيد ؛ التي تُنبّهك أنّهم أدمَنوا العِشق لله ، وقد كان الأصلُ أن يُراودهم الهَوى ! كان الأصلُ .. أن يَظلّوا في دوّامة صوت الجَسد .. وأن تَسحقهم أثقال الشّهوة .. لكنّهم رابطوا على البُزوغ لا على المَحاق ! { إنّهم فِتية } ..انبَعث فيهم حُلم الانعتاق .. تلاقوا على تَطهير دِمائهم من أحلام الغُواية .. وتوهّجوا في وقعِ أقدام العُبور ! جَعلوا بينهم وبين الانكسار حِجاباً .. وسكبَوا لله الشّبابا .. فانحفَرت في أعمارهم { ثلَاثمائة سِنين وازدَادوا تِسْعا } .. مَدّها الله مَدّاً .. إذْ أن الله يَجزي بالحسنة عَشر أمثالها .. شَبابٌ .. كتب القُرآن أعمارهم تاريخاً مِن السّقيا ! { إنّهم فِتية } .. وكان ذلك يَكفي ؛ كي يَقِفوا مُحايدين على عَتبات التّردُّد .. تَجذبهم شَهوة الطِّين ، ويَصغُون لصوتِ الرّغبة في عروقهم ، ويتوزّعون على خارطةِ الدُّنيا بِلَذّاتها ! كيفَ انتَعل هَؤلاء الفِتية خِفافهم وانطلقوا خفافاً !! كيف انغمَروا في عَتمة الدُّجى راحلين !! وكيف كانوا يَنزعون عن النّهار بقيّة الّليل !! {إنهم فِتية } .. سَهِروا على الحقيقة ؛ يحرُسونها من اغتيالِ العابثين .. فرَزقهم الله نوماً صاحبَتهم فيه نونُ المعيّة ، وكان الله بذاته يتولّى أمر { نُقلِّبهم ذاتَ اليَمين وذاتَ الشِّمال } .. بنونِ الجَلال والكَمال .. التي إذا آوَت عبداً ؛ جعلَت له مِن الكهف مأوى .. حتَّى تَقِف الشّمس مُرتعشة تَزاور عنهم .. كأنّها تخشى أن يَسبق منها شُعاع ؛ فَيرقظ المُعجزة قبل الآوان ! { إنّهم فِتية } .. وكان كلّ فتَى نسيجَ وحده ! هل تفهم ما معنى ذلك .. مَعنى أن تقبِض على تَفرُّدك ؛ فلا تأذَن للتّشوّه أن يكتُبك ! هل تفهم معنى .. أن تُصرّ أن لا تكون رقماً .. وتظلّ إنساناً مُختلفاً له قياماً طويلاً ! هل تَفهم .. لماذا رحلَوا الى الكهف .. الى حُلم فوق الواقع .. الى شُبهة أمل ! تأمل معي أنهم كانوا { فِتية } .. لم يملكوا إلا الانسحاب من المُستنقع ؛ كي يظلّ المِسك في الثّياب رغم تَراكم العَفن في كلّ مكان ! إذ ما اصعَب أن تصيد وُجودك .. أن تلمّ ذرّاتك كنور منتثِر هنا و هناك .. تَجمعه ثمّ تنفُخه في الأرواح المُتآكلة مِن حولك .. تُرَمِّم به الانهيارات العَميقة التي صَنعها الطّوفان ! وتِلك وحدَها ؛ بُطولة ! بُطولة .. أن لا تأذَن للرّيح أن تُبعثِرك ! بُطولة .. أن تهمِس بِحُروف المطر رغم الجَفاف ! بُطولة .. أن تطوُف وحدَك بكعبة الأفكار ؛ والنّاس غرقى في الطّواف حول ذَواتهم ! بُطولة .. أن لا تُغنّي أغنية الجُموع الضّالة .. وتظلّ تُرتّل كلمات السّماء ولو كنتَ وحدك ! بطولة .. أن تُخبّىء خُضرة الرُّوح فيك ؛ حتّى يأتي أوانُ المَطر ! بطولة .. أن تكون فتىً تصنعُ مَع أشباه روحك أمة ؛ يُسميها القرآن { فِتية } .. كتَبوا انتصار الثّبات على التّهميش ، وأصرُّوا على البقاء .. فصاروا لنا وصيّة كلّ جُمعة ! { إنّهم فِتية } .. هكذا كان الوَصف .. وكان الوصف هنا ؛ رسالة قرآنية تقول لنا : لا تأذَنوا لِمرَدة الّليل أن تُطفىء ناصِية الفَهم فِيكم .. حتّى لو كُنْتُمْ فِتية في وَزنِ القِلّة ! |
الساعة الآن 03:49 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir