فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته { فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } .. تنَفتحُ بوابات المَعاني في كلِّ كَلمة .. و تَندهش العَربية ؛ أمامَ مَدى هذهِ الآية ! تُرهقُ محابِرنا ؛ وهي تُهروِل خلفَ أمواج التَّدفق في التَّعابير .. وفي لحظةِ اعتراف .. يُعلن المِداد عَجزه عن الَّلحاق بالكَلمات ! { فنَادَى } .. كلمةٌ واحدة ؛ تصِف مسافةَ البِعاد .. فقد كان الظنُّ ؛ " ناجى " .. ولكنَّها هنا .. تَحمل إشارة العمق الذي غاب فيه يُونس ، وغاضَ فيه نبيّ ؛ { ظنَّ أن لنْ نقْدرَ عليهِ } ! { نادَى } .. حتّى كأنَّك تسمعُ الصَّوت في بُعده ، وشدّة استغاثتِه ، وفَيْض الدُّموع فيه .. يُحاصر يُونس { في الظُّلمات } ! يلتَهمه الحُوت .. مثل بوابة مَجهولة ؛ تفضي به إلى الفناء .. تَشتدُّ في مسامِعه ؛ صوت المياه الجارِفة تلْطم جوانب الحُوت .. يظنُّ أنَّ الموت يتَسابق عليه ؛ وقد كانَ يظُنُّ أن لنْ يُقدر عليه ! تَرتطم الأمواج الثَّقيلة بالحُوت من كلِّ ناحية .. ويغيبُ يُونس في ظُلمةِ فَقْدِ الجِهات ! يتحرّك الحُوت به في كلِّ ناحية ؛ فلا يدري المَشرق من المَغرب .. ولا علوِّ البحر من أسفلهِ ؛ وهو الذي كانَ يحمل قناديل الهِداية للعِباد ! ينادي .. ويظلُّ الصّوت حَبيس الصَّدى ؛ وقَد كان صوته يرِنُّ في مسامِع الخَلق ، وعلى رُبى الآفاق ! تشتدُّ الظُّلمة عليهِ .. ويُحيط به عتاب الرُّوح ، وندم ثقيل .. وهو الذي .. كانَت تهرَع إليه النّاس بخطاياها ؛ تستلهِم منه الطَّريق ! تَبدو الظلمة كثيفة .. البَّحر والليل ، وعُصارات بطن الحوت ؛ التي تُوسوِس له بالذَّوبان القَريب ! لم يكُن يُونس قادرا على عدّ الظُّلمات فقد كانت كلّ موجة تَنهال على الحُوت ؛ تزيدُ القلب وجيبا ، و تُوقِفه على فقرِه ، و عُريِّ العَبد من قدراته ! ربّما لهذا ؛ {نَبذ بالعَراء } .. إذْ كان الله يُرينا في أنفسَنا ؛ أنَّنا دونه لا نملك حتَّى ورَقة التُّوت ! { فنادَى أنْ لا إلهَ إلا أنْتَ } .. فما يَرى يُونس في الكون إلا ؛ الله ، وتَبلُغه الرِّسالة جَليِّة ؛ { إنِ الأمر إلا لله } ! تتنحى كَلماتنا .. قَراراتنا .. خَطواتنا ؛ أمامَ إرادة وتوقيتِ الله .. ويظلُّ القَرار { إنِ الحُكم إلّا لله } ! سُبحانك .. تَنزيهاً لك ؛ أنْ يُقدِّم العبدُ بين يديْ الله اعتراضاً على حِكمة الأَقدار ! { إنّي كنتُ مِن الظَّالمين } .. للمرّة الأولى ؛ يسجد يُونس دون سَجود الجبَين .. يسجُد لله ؛ سجود ذلٍّ ، وفقرٍ وحياء ، وإقرار ؛ بأنّي كنتُ من الظّالمين ! هنا الظلم ظلمٌ في أدقِّ مُستوياته .. الظلم بأن تَنسى أنّك عبد لا يليقُ بك ؛ إلا الرِّضا بأقدارِه ! ظلم .. بالتّولي عنْ منصِب هيَّئهُ لك الله .. فولَّيت { مُغاضِباً } .. و كان الأصلُ فيك الرّباط ! ظلم .. باستشعارِ الذّات .. وكان الحقّ ؛ التّواضع في طريقِ الدّعوة إلى الله ! لم يكُن الله يُريد من يُونس ؛ سِوى الدُّخول عليه من باب الذُّل والإفتقار .. فكانَ أنْ ردَّ الله { فاستَجبنا لهُ ونجَّيناه من الغَمِّ وكذلِك نُنْجي المُؤمنين } .. { الغَمّ } بأل الإستغراق لكل ّالغُموم والهُموم ؛ ولو كنتَ في أقصَى القَاع ! يتفضل الله عليه بمُواساته .. حيث يجعل نداءه سنّة للمُؤمنين ؛ كرامةً له ، ولِأوبة القَلب الجَميل ! يقولُ صلّ الله عليه وسلم : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، فَقَالَ: دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ! ثمَّ وفّى له الطّريق .. ولم يحْرِمه مَنصب النُّبوة ؛ بل زادَ له { وأرسلناهُ إلى مائَة ألفٍ أوْ يَزيدُون } ! فيا ربّ .. دَخَلْنا عليكَ بِدَعوةِ ذيْ النُّون .. فارتقْ لنا ثيابَنا ، ونَجِّنا من ظُلمة ما نحنُ فيه ! |
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب |
الساعة الآن 04:25 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir