الرخام
عرف الرخام في العصور القديمة، ويقال إنه يعود لآلاف الأعوام قبل الميلاد، استخدم في بناء القصور والمباني الفاخرة، وقد وصف المؤرخ «هيرودوت» أهرامات الجيزة بأنها مكسية بالرخام المُجلى، الذي أكسبها جمالا، وذكر في «التوراة» أن الرخام استخدم في بناء معابد «أوشليم»، كما استخدمه الرومان واليونان في فنهم المعماري وتماثيلهم، وعرف الفراعنة الرخام منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، واستخدموه في كسائها، وفي المعابد، وقصور الملوك وتماثيلهم والمسلات وأعمدة المباني.
في الحضارتين الإغريقية، والرومانية كان الرخام من الخامات التي حفظت هذه الحضارة على مر التاريخ، لقد استخدموه في أعمدتهم التي اشتهروا بها، وفي بناء قصورهم ونحت تماثيلهم مثل تمثال «فينوس موغانتينا»، تلك الجوهرة الأثرية التي كانت محور معركة قضائية طوال ثلاثين عاماً، بين روما ومتحف «بول غيتي» الأميركي، الذي أعادها بمناسبة الذكرى المائة والخمسين للوحدة الإيطالية. ويبلغ طول هذا التمثال الرخامي 2,20 متر، ونحت في القرن الخامس قبل الميلاد، ويمثل فينوس آلهة الحب والجمال عند الرومان.
وكان التمثال قد سرق في أواخر سبعينيات القرن الماضي، واستعاده مهربو تحف فنية زوروا وثائق ملكيته، قبل أن يعاد بيعه إلى متحف «غيتي» خلال مزاد علني في لندن لقاء أكثر من عشرة ملايين دولار. كما حفظ الرخام وجوه وشخصيات قادة ومفكرين من العصر الإغريقي والروماني أمثال »أخيل«؛ التمثال الرخامي الذي يعود إلى العام 430 قبل الميلاد، ويمثل أحد قادة حرب طروادة، التي جاء ذكرها في إلياذة «هوميروس»، كما سجل تاريخ الفن تخليد شخصيات ــ كان لها تأثيرها في العصور القديمة ــ بتماثيل رخامية،، كالتمثال النصفي لـ»سقراط الفيلسوف» أو الإسكندر المقدوني، القائد الذي فتح بلدانا كثيرة من العالم، وغيرهما الكثير.
ووجود هذه الآثار وأهميتها، ما هو إلا دليل على أن الرخام يجسد فكرة الديمومة، لما له من قدرة على تحدي عوامل الزمن، ولذلك اختاره الفنانون لأعمالهم التي يناشدون بها الاستمرارية، وما زال الرخام إلى الآن أهم وأصعب المواد، التي يستخدمها النحاتون في صنع تماثيلهم، وهم يدركون أنها أكثر ثباتا في الزمن، فقد استخدم الفنان الفرنسي أوغست رودان «1840-1917» لتمثاله الشهير «المفكر» الرخام والبرونز، ويصور التمثال الموجود في متحف رودان في باريس رجلا يتصارع في داخل نفسه مع أفكار عميقة، مما جعل البعض يعتبرونه عملاً فلسفياً بحتاً، وفي العصر الراهن ما زال النحاتون يستخدمونه حتى وإن كانوا قلة.
قصة حب من رخام
«تاج محل» أو كما يسميه الهنود «قصيدة المرمر» ــ وهو كذلك بالفعل- تروي أحجاره الرخامية للأجيال قصة حب ووفاء خالدة، فتاج محل، كدرة من درر الفن العالمي، وأحد عجائب الدنيا السبع، فالقصر الأبيض يبدو من بعيد كأنه محلقا في الهواء، أو قصر مسحوب بسحره من قصص ألف ليلة وليلة.
وتعود قصة «تاج محل» المشيد من الرخام، إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما كانت إمبراطورية المغول في الهند في أوجها، حيث ازدهرت البلاد في عهدهم وامتزجت الحضارات، والثقافات، وانعكس هذا على الآثار الفنية، والمعمارية، والتي كان أكثرها رسوخاً في الذاكرة العالمية، ضريح تاج محل الواقع على ضفاف نهر جومينا في مقاطعة آجرا الهندية.
وتروي الحكايات في شأن تاج محل أن الإمبراطور شاه جان كان مغرماً بزوجته «ممتاز محل»، فأوصته وهي تحتضر بأن لا يتزوج بعدها، وأن يشيد لها ضريحا وبناء يخلد ذكراها إلى الأبد. كان ذلك في العام 1631 فشرع الإمبراطور ببناء الضريح الذي سيضم جثمانها، والذي عرف باسم تاج محل.
وقد بعث رسله إلى مختلف البلدان والآفاق في طلب أساتذة وعباقرة الفن الإسلامي آنذاك، وانفق الأموال الطائلة في جلبهم وفي توفير العمال ومواد البناء، وسرعان ما بدأ البناء الرخامي يرتفع شيئا فشيئا على ضفاف نهر جومينا ليكشف في العام 1653 عن تحفة فنية لا مثيل لها. واستغرق بناؤه 22 عاما، كما عمل فيه أكثر من عشرين ألف رجل، واستخدام ألف فيل لجلب الرخام الأبيض المستعمل في البناء من إقليم «راجستان»، وقد طرزت ألواح الرخام بمختلف الأحجار الكريمة التي جلبت من أصقاع الأرض.
وفي العام 1983 قامت «اليونسكو» بإضافة تاج محل إلى قائمة مواقع التراث العالمي، والعام 2007 تم انتخابه كأحد عجائب الدنيا السبع الجديدة، وفي السنوات الأخيرة ارتفعت أصوات عدة، تنادي بالمحافظة عليه من تلوث البيئة، إذ يقول بعض الباحثين أن لونه الأبيض أخذ بالتحول للأصفر بسبب تلوث الهواء.
بما أنه نوع من أنواع الأحجار الصلبة، من الصعوبة بمكان النقش عليه بالطرق العادية، أي باستخدام الأزمير والمطرقة، لذلك ابتكر الخطاطون طريقة عمليه، تتلخص بإذابة أماكن محددة من ألواح الرخام بمادة كيماوية، حارقة أو مذيبة.
وتكتمل هذه الطريقة بعد عدة مراحل، وذلك بعد اختيار لوح من الرخام الأبيض الخالي من التشققات، وقليل العروق، ويقصد بالعروق تلك السوداء أو الداكنة الظاهرة على سطح اللوح، والتي تعيق عمل المادة الكيماوية، ومن ثم تجهيز النص أو الرسم المراد نقشه على الرخام، وبعد لصق التجليد على اللوح، على أن تكون الكتابة مفرغة، تمرر فرشاة مشبعة بمادة كيماوية وتترك لمدة ساعتين، لتنظف من بعدها الأماكن المحفورة، بقطعة حديد لإزالة النتوءات الغير مستحبة.
ومن ثم تملأ باللون، الذي غالبا ما يكون لونا أسودا، وبعد أن تجف تماما تزال قطعة التجليد، كي يظهر العمل بشكله النهائي. ويرتبط الرخام بالفخامة التي عرفتها القصور القديمة، وإلى الآن ما زال الكثير من الناس يعمدون إلى تزيين منازلهم بمخطوطات رخامية من الآيات القرآنية، أو الأحاديث الشريفة، وكثيرا ما تستخدم في مسميات المساجد، ومن النادر أن يوجد مسجد لا يحتوي على لافتة من رخام
تاج محل يستقطب عدداً كبيراً من السُياح، فقد وثقت منظمة اليونسكو أكثر من مليوني زائر في عام 2001، بما في ذلك 200,000 من خارج الهند. ويوجد نظامين للأسعار، فالرسوم أقل للدخول للمواطنين وأكثر تكلُفة بالنسبة للأجانب. معظم السُياح يأتون في الشهور الباردة (أكتوبر ونوفمبر وفبراير). يوجد قانون ينُص على أنه غير مسموح لحركة المرور الاقتراب من القصر، وذلك لأسباب التلوث القادمة منها، فيُمنع الاقتراب من المجمع وعلى السُياح السير على الأقدام أو ركوب الحافلة الكهربائية. حاليا كاوسبرس (والتي تعني الساحات الشمالية) يتم استعادة استخدامها، بوصفها مركز الزوّار الجديد.
أمّا البلدة الصغيرة الواقعة في جنوب تاج محل معروفة بـمُمتاز أباد أو تاج غانجي، تم إنشاؤها في الأصل للأسواق والخانات والبازارات وذلك لخدمة احتياجات الزوّار والعُمّال. وقوائم جهات السفر الموصى بها غالباً تُميّز تاج محل، والتي تظهر أيضاً في قوائم عديدة لعجائب الدنيا السبع الحديثة، بِما في ذلك عجائب الدُنيا السبع الجديدة للعالم، التي أُعلن عنها مؤخراً، وهو استطلاع تم إجراؤه مؤخراً مع كسب تاج محل لـ 100 مليون صوت.
الأراضي مفتوحة من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة السابعة مساءً خلال أيام الأسبوع، باستثناء يوم الجمعة عندما يكون المجمع مفتوحاً للصلاة في المسجد، ما بين الساعة الثانية عشرة إلى الثانية مساءً. يكون المجمع مفتوحاً للمنظر الليلي في يوم اكتمال القمر ويومين قبله وبعده، باستثناء الجُمُعات وشهر رمضان لأسباب أمنية ، هٌناك خمسة أشياء فقط يُسمح بها داخل تاج محل: ماء في زجاجات شفافة، كاميرات فيديو صغيرة، الهواتف المحمولة، والمحافظ النسائية الصغيرة.
استخدامات عصرية للرخام
يتكون الرخام من «الكالسيت» النقي جدا، والذي يتلاءم مع ظروف نادرة من الضغط والحرارة في جوف الأرض، كما ينشأ في العديد من البيئات البحرية، ويتميز بتفاعله مع الأحماض.
وتشتهر دول عدة في إنتاجه كالبرازيل، فلسطين، تركيا، وإيطاليا، التي تحتل المرتبة الأولى في إنتاجه ونوعيته.ظ ويوجد منه أنواع كثيرة مثل «أربيسكاتو» و«رخام كرار»، الذي يعد الوحيد في العالم الذي يكون لينا في التعديل والنحت، ورخام «دلكاتوا»، ورخام كواتاملا أخضر، ورخام فيرا، ورخام روز الوردي.
ويستعمل الرخام إلى جانب النحت في العديد من الأغراض الأخرى، فهو من أفخم الخامات المستخدمة في البناء والديكور في العصر الراهن، ويتوزع في أماكن عدة، مثل تبليط الأرضيات والجدران، وجدران الحمامات، ولبعض الميزات الضعيفة في الرخام يستعاض عنه في بعض الأحيان بـ«الغرانيت»، ذلك أن الغرانيت ليس كالرخام من الصخور الكلسية، أو الرسوبية، بل يتشكل من الصخور البركانية التي تحتوي على نسبة من المعادن، ولهذا تتحدد الاستخدامات بالنسبة للديكور.
وينصح بالغرانيت بالنسبة للمطابخ أكثر منه للمجالس، لما له من قدرة على تحمل الضغط الحركي، والأوزان، كألواح أكبر من الرخام، ويفضل كذلك استخدامه للأرضيات الخارجية، مع مراعاة تركيبه كبلاط صغير، كونها أقل تأثر بالحرارة من الرخام، مما يجعلها تحافظ على لونها وصلابتها لمدة أطول، ولهذه الأسباب تمت صناعة الرخام الصناعي الذي يشبه في شكله الرخام الطبيعي، مع حذف السلبيات الموجودة في الطبيعي، مثل سهولة الكسر، والتمدد والانكماش وتغير الألوان، وهو عبارة عن خلطة مستوردة من اليابان، مؤلفة من البودرة الخاصة، مع ألوان أوكسيد تخلط جميعها بنسب معينة، لتعطي خلطة تستخدم في تصنيع الألواح المسطحة، وتصب في قوالب لتصنيع أطقم الحمامات، كما تدخل في تصنيع العديد من مستلزمات الديكور بشكل عام.تركيب شورات حمامات